مراحل الدورة الاقتصادية وخصائصها
يخضع الاقتصاد الرأسمالي لقانون التطور الدوري، وتعد الدورة الاقتصادية السمة الملازمة لهذا الاقتصاد، فهو ينتقل من الانتعاش إلى الركود ثم يعود فينهض من ركوده وهكذا.
تبدأ الأزمة الدورية في الاقتصاد الرأسمالي عندما تظهر فجوة بين إنتاج السلع وتصريفها. وإن عملية التداول السلعي البسيط وانفصال البيع عن الشراء نتيجة لظهور النقود أكدت إمكان حدوث هذه الفجوة. وأدت سيطرة رأس المال، والطابع الاجتماعي للإنتاج، في ظل الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، إلى إمكان حدوث تباعد حقيقي بين فعل شراء السلعة وفعل بيعها كان من نتائجه فيض الإنتاج الذي ترافقه عادة إفلاسات كبيرة في المؤسسات الصناعية والتجارية. فالمؤسسة عندما تفقد القدرة على تحويل مخزونها من السلع إلى نقد، تتوقف عن دفع ديونها، ويصاب أصحابها وأصحاب المصارف والمضاربون بالهلع، ويبدأ سباق محموم وراء النقد، فيطالب الدائنون بوفاء ديونهم أو خدمتها. ويتسابق المودعون إلى سحب أموالهم من المصارف وصناديق الضمان والتسليف فتضطر بعض المصارف إلى التوقف عن الدفع وقد تعلن إفلاسها ويتقلص عرض رأس المال الإقراضي ويرتفع معدل الفائدة.
وكلما ازداد فائض الإنتاج الخفي وضوحاً، حدث تقلص في الإنتاج فيعمد من أفلس من الرأسماليين إلى إغلاق مؤسساتهم، وتلجأ بعض المؤسسات إلى تقليص أعمالها وخفض إنتاجها، وإلغاء الورديات الإضافية، أو تقليص أيام العمل الأسبوعية أو ساعات العمل، وقد تغلق بعض «ورشاتها»، وتقلل من أنواع المنتجات التي تنتجها
wwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwww
ملازمة للنشاط الاقتصادي منذ القديم. وثمة مثال ورد في سورة يوسف من القرآن الكريم عن اقتصاد مصر في زمن يوسف النبي بدورة مدتها سبع سنوات من الخصب تعقبها سبع سنوات «عجاف». ولكن مظاهر الدورات الاقتصادية غدت أكثر تعقيداً منذ ظهور الثورة الصناعية في أوربة وأصبحت ظاهرة تلازم نظام السوق بوجه عام.
وصف فريدريك أنغلز المسيرة التي تحكم تطور الاقتصاد الرأسمالي بحسب مراحل الدورة الاقتصادية، وهي المسيرة التي تقود ذلك الاقتصاد، من أزمة إلى أزمة. وأوضح أن الجمود قد يخيم على الاقتصاد سنين طويلة. فتتعطل القوى المنتجة، وتُبَدَّد كميات كبيرة من المنتجات بسبب الكساد وانخفاض الأسعار وعدم القدرة على التصريف. ثم تنشط حركة الإنتاج وتبادل السلع شيئاً فشيئاً، وتتسارع تدريجياً حتى درجة الركض والجموح، ثم تتحول إلى قفزات تشمل الصناعة، والتجارة، والتسليف، والمضاربة، وتبدأ بعدها بالتباطؤ والانحدار إلى هاوية لا قرار لها.
والدورة في الاقتصاد الرأسمالي هي مرحلة من الزمن تبدأ مع بداية أزمة وتنتهي مع بداية أزمة أخرى، مروراً بأربع مراحل أساسية هي: أزمة فانتعاش ونهوض فركود تعقبه أزمة أخرى، وهكذا تتوالى الحركة الدورية لترسم طريق التطور الرأسمالي. والمرحلة الرئيسة فيها هي أزمة فيض الإنتاج، فكل أزمة تكمل الدورة السابقة لها، وتؤدي التناقضات المتراكمة في مسيرة تلك الدورة السابقة إلى الانفجار، معبدة الطريق لتوسع الإنتاج في دورة جديدة تنتهي إلى أزمة تالية. وعلى هذا فالدورة تبلغ ذروتها عندما تبدأ الأزمة التالية في دورة جديدة وهي ما يسمى أزمة فيض الإنتاج.
wwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwww
الأزمات والدورات الاقتصادية
تشغل الأزمة الدورية مركز الصدارة بين الأزمات الاقتصادية التي تعترض الاقتصاد الرأسمالي. وهي نتيجة مباشرة للاختلالات الاقتصادية العامة بمعناها الواسع (عدم التناسب بين الإنتاج والاستهلاك، وبين فرعي الإنتاج الأول والثاني، وبين مختلف فروع الاقتصاد الوطني). وتسهم هذه الأزمات في نهاية المطاف في إيجاد آليات تساعد في زيادة إنتاجية العمل وخفض نفقات الإنتاج. فالمؤسسات، في محاولاتها الخروج من الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها تكثف بحوثها عن أنواع جديدة من المنتجات وعن تقنيات حديثة تستخدمها في الإنتاج، وتعد الحلول المؤقتة أو الجذرية التي تتوصل إليها المؤسسات أساساً لتجديد رأس المال الثابت ورفع إنتاجية العمل وتوسيع الإنتاج. وفي هذا المعنى نفسه تعد الأزمة مرحلة تأسيسية للدورة الاقتصادية، أي المرحلة التي تحدد، إلى درجة كبيرة، مسار التطور اللاحق، والملامح الرئيسة للدورة التالية، وطبيعة تجديد رأس المال الثابت. لذلك لا بد في البداية من الحديث عن طبيعة الدورة الاقتصادية le cycle économique الملازمة للاقتصاد الرأسمالي، وخصائصها والمراحل التي تمر بها، ومن ثم الانتقال إلى الحديث عن الأزمة الاقتصادية la crise économique بوصفها إحدى مراحل هذه الدورة.
الدورة الاقتصادية
تلازم الحياة الاقتصادية تغيرات مستمرة، إذ يمر التطور الاقتصادي بمراحل من الازدهار ومن الانكماش وتسمى الدورات الاقتصادية. وهي ظاهرة