الدورة الاقتصادية

بعد ذلك يبدأ الانتقال تدريجياً، من مرحلة الركود والجمود إلى المرحلة التالية من الدورة وهي مرحلة الانتعاش، ففي هذه المرحلة يبدأ خط الإنتاج والتجارة بالصعود ويقترب الإنتاج حجماً وكميّةً من المستوى الذي كان عليه عشية الأزمة، ثم يتجاوزه، وهذا يعني بدء الانتقال إلى المرحلة التالية من الدورة وهي النهوض والازدهار، ولهذه المرحلة سمات معاكسة تماماً لسمات مرحلة الأزمة ومنها: تزايد الإنتاج لمواجهة تزايد الطلب الفعال، وارتفاع أسعار السلع لزيادة الطلب عليها وتزايد الطلب على قوة العمل وانخفاض عدد العاطلين عن العمل مع ارتفاع في معدلات الأجور.

تنبثق الأزمات عن عمليات عميقة الجذور، ولكن طابع حركتها وأنماطها ترتبط كذلك بأسباب عرضية وثانوية منها: الهلع الذي يصيب رجال الأعمال وأخطاؤهم في تقويم أحوال السوق، والعوامل المؤثرة في النقد وسياسات الحكومات وغير ذلك. مما قد يحدث تغيراً كبيراً في شروط العمل والإنتاج، ويساعد على إدخال تغييرات معينة على مسار الدورة، وهذا ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية. فالاقتصاد الرأسمالي يكرر، دورياً «إنتاج الفجوة» بين العرض والطلب الفعالين، وكلما كانت الفجوة كبيرة، كانت الأزمة أشد، وهي تخرج عن إرادة الأفراد منعزلين، ولكن الدراسة المتأنية لأحوال السوق تفسح في المجال لاتخاذ إجراءات احترازية وقائية وإيقاف نمو الإنتاج في وقت مبكر بالاستناد إلى دلائل معينة، مما يقلص حجم هبوط الإنتاج في أثناء الأزمة. فيغدو منحنى الدورة أكثر سلاسة. أن إن التحكم بهبوط الإنتاج أو التخفيف من آثاره واستمراره لا يتم بلا ثمن، وهو خفض معدلات  النمو في مرحلة الانتعاش.

wwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwwww

ولاشك في أن درجة تقلص الإنتاج تتباين في مختلف فروعه، فيكون هبوطه كبيراً عادةً في الفروع التي تصنع وسائل الإنتاج. ومع تراجع الإنتاج وانخفاض كمياته، يقل حجم النقل وتتراجع الأعمال التجارية، وتنكمش التجارة الخارجية ويحدث انخفاض في أسعار السلع وتكون عواقب ذلك وخيمة جداً في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فتقف عاجزة أمام المؤسسات الكبيرة التي تملك إمكانات أفضل لمواجهة الأزمة. وقد تنتشر البطالة التامة والبطالة الجزئية انتشاراً واسعاً وسريعاً، مع هبوط في مستوى الأجور إلى مادون قيمة العمل، فيزداد بؤسُ الطبقة العاملة ومعاناتها، في حين تتعرض كميات كبيرة من السلع والخبرات إلى التلف والإبادة.

وعند بدء الانتقال من مرحلة الأزمة إلى المرحلة التي تليها، يتوقف الإنتاج عن التراجع، ولكنه يترجح حول مستوى الأزمة المنخفض، ويتسارع امتصاص الاحتياطات السلعية، ويتوقف هبوط الأسعار فتستقر عند المستوى الذي بلغته في نهاية مرحلة الأزمة ولا تحدث انهيارات جديدة ذات شأن في الأسواق، ولكن التجارة تبقى ضعيفة، بطيئة الحركة. ويؤدي تقليص الإنتاج وتراجعه في هذه الأثناء إلى انخفاض مخزون السلع فتبدأ الأسواق بالتحسن شيئاً فشيئاً وينشط تصريف السلع فيها، وتتحسن أوضاع المؤسسات المالية فيقل طلبها على القروض، وتتحسن درجة الثقة بالوضع الاقتصادي فيستأنف المدخرون إيداع أموالهم في المصارف، ويقود ذلك إلى انخفاض معدلات الفائدة في السوق. وهذا يعني أن مرحلة الانكماش هي مرحلة تكيف الاقتصاد الوطني مع شروط الأزمة واستعداده للانتعاش الاقتصادي

 

Related Posts